السبت، 8 أغسطس 2009

ذنباً بلا رجعه ( قصه قصيره )

ملحوظتين كده : أولا النسخه دى من القصه ماتراجعتش لغويا أو نحويا والنسخه اللى تم مراجعتها فقدت فى ظروف غامضه عشان مايجييش حد فقيق يتكلم على كلمه مفتوحه ولا مكسوره والكلام ده , تانى حاجه لو حد قرا القصه دى وعجبته يهمنى أو أن رأيه يوصلنى , وشكرا .. على بركة الله .




أى حلمٍ غامض هذا الذى يأتيه فى لحظات قليله بحياه كامله قدرها ثلاث عقود ونصف من الزمن . يمررها أمام عينيه كمشاهد فيلم سينيمائى عديم الملامح بالرغم من وضوح ألوانه المبعثره .
للمره الأولى ينظر لحياته الباليه ومسيرته المهترأه بهذا الأهتمام , كمن سقط على رأسه جبلاً و ولم يفق من غيبوبته الا تواً .
نظر الى نفسه عبر هذه المشاهد السريعه كأنه يراها للمره الأولى , فلم يستوضح شيئا أو هكذا أراد , مد عينيه المغلقتين فى الظلام المنثور أمامهما يلاحق لقطات الفيلم المعروض محاولاً دفع شبح الامبالاه عن رأسه .
جذبته اللقطات الأولى بشده كطيف غائب منذ سنوات يتظاهر بالامبالاه تجاهه بينما يحترق من أعماقه شوقا لهذا الطيف , لم يكن هذا الطيف الا سنوات عاشها فى شبابه أعتبره الجميع فيها مثال حى على أمكانية إجتماع التدين و الأخلاق والنجاح فى شخص واحد , سنوات لم تدم طويلاً . أنتهت بالحادثه التى غيرت مجرى حياته تماماً وجعلت الناس تسقط عن أعينها الصوره الملائكيه التى كونتها له . إشتعلت الشقه التى يسكن فيها مع والده أثر مس كهربائى , حينها لم تكفى شجاعته لإنقاذ والده المريض فمات بين يديه مختنقاً . يومها نظر نظر كل من حوله الى هذه الحادثه على أنها لم تكن سوى جريمه مدبره , نفذها الأبن لتكون أقصر الطرق لحصوله على ميراثه من أبيه الثرى البخيل بعدما فشلت كل المحاولات فى إقناعه أن يساعده فى ترتيبات الزواج .
الغريب أن كل من حوله بالأضافه الى أقرب الناس الى قلبه وكاتمى أسراره قد أجمعوا على هذا التفسير فى حين لم تأخذ به الشرطه وأعتبرت الحادث قضاءاً وقدر , حتى خطيبته المخلصه ودعته بخطاب شديد اللهجه مؤكده أن شريك حياتها لن يكون قاتل مثله .
غُلقت كل الأبواب فى وجهه وقُطعت كل السبل بينه وبين من حوله , وجد نفسه فى مركز دائره قطرها ألف ميل والكل من حوله يشكلون الدائره التى تتسع حتى يختفى الجميع ويبقى وحيدا متمنياً صدر يرتمى باكياً فى أحضانه ويصرخ صرخه تسمع العالم كله .. أنا مظلوم .
وأى ظلم ؟؟ ظلمُُُُُ يذيب بحور الصفاء المنسابه داخله يذيبها فى قطرات سخطه على العالم , فتحيلها الى محيطات من الكره والقسوه والأنانيه , تحيله الى مسخ تقطر يداه بدم طفل بداخله قد قتل , أقسم أنه إذا لم يكن هو هذا المسخ الذى يهرب منه الجميع فسيصنع من نفسه مسخ حقيقى أقوى وأعتى , أن لم يكن بهذا السوء الذى يظنه الناس من حوله فسيجعل من نفسه أنسان أسوأ وأسوأ .
تحت التراب كان مصير ماتبقى له من أنسانيه تكفى لإسقاط دمعة ندم من عينيه , تحت التراب دفن أنسان إنتهت أيامه بميلاد مسخ فى هيئة بشر , وشرع فى بدأ حياه جديده لا أهل بها ولا وطن , ولا نديم ولا حب ولا سكن . أطلق لشهواته العنان فساقته لأقصى مراحل جنونها , فعل كل أنواع المعاصى ولم يكتف فأخترع معاصيه الخاصه . فلم تكن حياته الا خيط متصل من نزواته المتتاليه يحيكه ببراعه دون أن يظن لحظه أنه فى النهايه سوف يشنق نفسه بهذا الخيط , الخيط نفسه الذى يقيد ماتبقى من ذرات ضميره المدفونه تحت رماد خطيئته .
عاش حياته يتقلب مابين أحضان المومسات ومابين أوكار السكارى والمجرمين , ولا عجب من ضياع ثروة أبيه المهوله بعد ضياع ثروته الامتناهيه من الأخلاق والقيم . نسى أن لحياته نهايه محتومه لا مفر منها لم ينجح ولن ينجح أحد فى التحايل عليها , وأستمر فى تجاهله لهذه المسلمات وأعتبرها حياه أبديه , وظل ينهل من سموم هذه الحياه التى رضى بها ورضيت به , لا أهل بها ولا وطن ولا نديم ولا حب ولا سكن.
أشفق عليه كل من سبق وظلمه , ولم يتوقف هو للحظه ليشفق على نفسه , ليقول : مالى أقتل بقاياى بهذا الشكل , بهذا العنف , بهذا الرضا ؟ هل صدأ قلبه من كثرة الذنوب فعجز عن العوده , أم تبخر مع سموم أنفاسه المتصاعده لتحجب النظر عن عينيه فتزيده عجزا على عجز .. فما كان من قلب وما كان من عوده .




********************

أى حلم غامض هذا الذى يأتيه فى لحظات قليله بحياه كامله قدرها ثلاث عقود ونصف من الزمن . يمررها أمام عينيه كمشاهد فيلم سينيمائى عديم الملامح بالرغم من وضوح ألوانه المبعثره .
للمره الأولى ينظر لحياته الباليه ومسيرته المهترأهبهذا الأهتمام , كمن سقط على رأسه جبلاً و ولم يفق من غيبوبته الا تواً .
نظر الى نفسه عبر هذه المشاهد السريعه كأنه يراها للمره الأولى , نظر الى أعماقه أكثر فأكثر فلم يجد الا السواد الذى تكدس يوما تلو الاخر بخطاياه وأثامه . مندفعا بقلبه الفاتر , بعقله الفرغ , بدمه البارد وسط هذا لسراب الذى شكله بنفسه ولنفسه وعايشه وصدقه وأعتبره الحقيقه . حينها وحينها فقط كانت نفسه اللوامه تتقلب فى مضاجعها ضيقا من طول خمولها , بل كانت على الأدق تتقلب فى ظلمة قبرها مللا من طول موتها .
شيئا ما أهتز منذراًًًًً بأنقلاب وشيك الحدوث , شعر بها أتيه , أتيه بقوة ظمأ نبته بريه فى يوم صيف شديد الحراره . رياح أندفعت لتزيل التراب عن بقايا الأنسان المدفونه تحت ركام السنون العفنه . شيئا ما أهتز بداخله جعله يشعر بإشمئزاز ونفور لم يشعر بهم منذ أنسياقه فى هذا الدرب الكريه .
أتحرك المارد الراقد منذ سنون ؟؟ أإنقطعت قيود ضميره المحتضر لتوقظ فيه ماتبقى من أراده كافيه لتحيده عن هذا الدرب .
أى هاتف هذا الذى ترددت أصداء صوته فى جنبات هذا القلب العليل , و أى صوت جاء ليزيل الطلاء القذر الذى تكدس على جدران هذا القلب مع مرور الأيام ؟
حاله من الصفاء أتته لم يشعر بها حتى فى أكثر أيامه طهراً وعفه , حاله لم ينتظرها ولم يتوقعها , جعلته يشعر بتعاظم مشاعره النبيله أمام إضمحلال غرائزه الدنيئه التى سيطرت عليه كسيطرة الداء على الجسد العليل .
حينها أيقن أنه لابد له من الخلاص , الخلاص من دنيا سئمها بكل مافيها لدنيا أخرى يعلم أنه ينتمى أليها فى الأساس , الخلاص من حمل يحنى ظهره قبل خلاصه من الدنيا بكاملها الى العالم الأخر .
فى صمت قالها .. بل صرخها فى نفس الصمت مدويه ترج أركان نفسه بالكامل : مالى أقتل بقاياى بهذا الشكل , بهذا العنف , بهذا الرضا ؟! مدويه تنتزع جذور الغفله الضاربه فى أعماقه : الى متى سأظل منغمس فى هذا المستنقع الذى صنعته لنفسى وغوصت فيه حتى أذناى ؟ الموت من خلفى والنار من أمامى وقدماى مكبلتان فى الأرض ولا ملاذ لى إلاها , توبــــــه .. توبه نصوحه أمحو بها خطاياى وسواد صفحاتى , كفانى من عذاب الدنيا وكفى الدنيا من عذابى .


قالها وشهق شهقه نوى أن يخرج بزفيرها كل ماأحتوت نفسه من سموم , قالها وهو يتطلع لحياه جديده لا ينوى أن يندم عليها أبدا , بل قالها وهو يتطلع لحياه قديمه قدم وجوده , إنزوت مع الأيام فى كهفها ينوى أن يخرجها للنور ويعيد معها أمجاده .
فتح عينيه ببطء ليرى الدنيا بمنظوره الجديد كطفل يخرج للحياه للمره الأولى , فتح عينيه ناظرا للسقف .. هو لا ينظر أبدا أنه وضع مرآه فى هذا المكان , أى أخرق هذا الذى يضع مرآه فى سقف حجرته ؟؟
إن لم تكن هذه مرآه فلماذا إذن يرى فيما أعلاه وعلى أستقامة بصره هذا الجسد النحيل والذى ألف أن يكون جسده وهو ممدد فى مرقده الضئيل هكذا ؟؟ أقسم فى نفسه أن هذه ليست مرآه , ليست نوبة هذيان , ليس أسوأ كوابيسه وليته كان . تفسير واحد حاول الهروب منه الى أن لم يبق له سواه . نفس التفسير الذى قامت عليه كل كتب الخروج من الجسد والحياه مابعد الموت التى قرأهم فى صباه .
أنها روحه طافيه على الفراغ المنتشر فى المكان تنظر ساخره للجسد المنكمش على نفسه فرحه بتحررها منه ومن عذابه , إنها اللحظات القليله الباقيه التى تفصل دنياه الماضيه عن تجربه أخطر لم يخوضها بعد , تمنحه أخر أتصال بينه وبين هذه الحياه الفانيه .
هزه أعترته من رأسه الى أخمص قدميه , زلزال أحتوى نفسه المهزومه بالكامل يعصرها , يفتتها , ينثرها فى رياح فزعه العاصفه , يهدم له حلم كان غارقا فيه منذ لحظات لم يهنأ بتحقيقه , وجسدا يفور حول القلب العليل لاعنا أياه هو وكل لحظة أثم قضاها فى خدمة نواياه البغيضه حتى وصلا لهذه النهايه المشئومه التى لا رجعه منها , وروحا تتهاوى سقوطا بثقل خطاياها فى كل خطوه تخطوها لأعلى تجاه بارئها , تتهاوى سقوطا فى قعر الجحيم لتلقى التطهير الأبدى من أثامها .
كانت الصدمه كبيره حتى أنه لم يعش مثلها فى دنياه التى ولت , كانت لتقتله وتسلب منه حياته لولا أن هذه الحياه ذهبت بلا عوده , أدرك أنه تأخر كثيرا فى فراره من مصيره البشع حتى أنزلق فى خاتمه بائسه لعينه لم يفكر فى تحاشيها الا بعد فوات الأوان , كأنما لم يخبره احد أن الليمون لا يباع بعد العصر , وأنه لا توبة بعد الموت .
أظلمت من حوله شيئا فشئ , وشعر بنفسه يُسحب لينضم لصفوف المنتظرين لمصيرهم أمام بوابة الجحيم , إنطلق فى طريقه ليضمن لنفسه مقعدا بجوارى فى جحيم العالم الأخر , ليضيف لسجلات أمجادى , وينضم لسلة أنتصاراتى على بنى جنسه فى صراعى الطويل مع البشر الذى لم أرهق منه بعد , صراعى المستمر الى نهاية الكون كما نعرفه , هو كضحيه أخرى من ضحاياى الذين لم ينتهوا بعد وسأظل أطاردهم ماحييت , سأُهزم وسأنتصر لكنى سأستمر حتى أنتهى . أنا الملعون فى كل رساله وكل كتاب , أنا المكروه فى كل زمان و مكان . صاحب الذنب الأول فى الكون .. ذنبى الذى بلا رجعه .




تمت بحمد الله
أبريل 2005

هناك 7 تعليقات:

  1. القصه دى تحفه جميله اوى يا رامى وانا كان ليا الشرف انى اكون من اول الناس اللى قريتها من ساعة ما كتبتها وكانت عجبانى اوى زى ماكانت عاجبه كل اللى قرأوها
    مستنيين منك حاجات حلوه زى كدا تانى
    متتأخرش علينا

    ردحذف
  2. قصه حلوه اوى ربنا يكرمك ويفتح عليك ويوفقك
    وفعلا الواحد المفروض يتعلم من اخطاء الغير
    ويتوب قبل ما ييجى الوقت اللى مينفعش فيه ندم ولا توبه
    وربنا يرحمنا جميعا من سوء الخاتمه ويحسن ختامنا جميعا وكل المسلمين يارب
    شكرا

    ردحذف
  3. طبعا متتوقعش مني اني هجاملك يا رامي
    القصة بجد تحفة اوي وروعة
    بس عندي ملاحظتين لقارئ دقيق
    الاول : (( للمره الأولى ينظر لحياته الباليه ومسيرته المهترأه بهذا الأهتمام , كمن سقط على رأسه جبلاً و ولم يفق من غيبوبته الا تواً .))

    الجملة دي اتكررت مرتين في القصة..

    الثانية : حجم المتردافات الكثيرة جدا اللي في القصة ...

    بس بجد تعبيراتك قمة في الجمال
    عجبتني جدااااااا
    بالتوفيق وننتظر المزيد

    ردحذف
  4. متشكر جدا يا جماعه ع الكلام الجميل ده وخصوصا نادرا اللى أتا معرفهوش
    أما بقى بالنسبه لموضوع حجم المترادفات ده فربما فعلا ده يكون خطأ منى هحاول أنى أتجنبه فى المرات الجايه أنشاء الله , أما بالنسبه لموضوع الجمله اللى أتكررت دى فهى مقصوده 100% وده عباره عن تكنيك أستخدمته لجعل القصه كأنها بتبدأ مرتين فالملاحظ أن المقطع الأول فى القصه هو نفس المقطع فى بداية الجزء التانى وده أحد الأساليب بالظبط زى تكنيك القصه الدائريه المشهور جدا واللى بيخلى القصه تنتهى عند بدايتها
    ع العموم أن متشكر ع التشجيع ده ياجماعه وربنا يوفقنى وأكتب حاجات تانى أفضل

    ردحذف
  5. تحفه بجد يارامى جامده جدا بجد
    smsminho

    ردحذف
  6. كلام جميل اوى وقصه حلوه بجد واسلوبك لذيذ جدا
    ربنا يوفقك
    وفانتظار المزيد

    ردحذف
  7. أجمل قصة قصسرة قرأتها في حياتي

    ردحذف